أن تفشي وباء الرشوة في أي مجتمع من المجتمعات، يقلب أحواله رأسًا على عقب، حيث إن للرشوة أثرها الخطير في إفساد الموظف سواء كان في القطاع العام أم الخاص.
فهي من تجعل هذا الموظف يحيد عن شروط الوظيفة القائم على النزاهة والأمانة، وعدم الإخلال بواجباته الوظيفية.
لهذا يترتب على القيام بها، أن يفقد أفراد المجتمع الثقة في الدولة التي يمثلها هذا الموظف، وفي التشريعات والقوانين التي تصدر عنها في شأن مكافحته والتصدي لها.
فلا يجوز لمسلم أن يدفع مالاً لرشوة موظف عام تحت ستار الحصول على حقه الضائع، لأن تقديم الرشوة للموظف سلوك مجرم شرعًا وقانونًا.
وأخذ الرشوة وإيصالها من الراشي للمرتشي "كما يفعل الوسيط" في مثل هذا النوع من الإجرام يعد من كبائر الذنوب؛ وفي هذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم) (مجمع الزوائد للهيثمي 4/232 رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات ص360)، واللعن يعني الطرد من رحمة الله.
كما حرم الإسلام ما يدفع للموظف العام في صورة هدية، لأنها في الحقيقة *رشوة مقنعة*.
للأسف الشديد الهدايا التي تحمل شبهة رشوة تقدم اليوم علنًا، وبعضها تتحمله خزينة الدولة. كون هناك جهات حكومية كثيرة تقدم الهدايا في مناسبات عديدة، وهذه الهدايا في الأصل ليس الهدف منها توثيق العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين أفراد المجتمع، بل إن الهدف منها قضاء مصالح بين أفراد وهيئات ومصالح حكومية.
لهذا لابد من إغلاق هذا الباب نهائيًا فيما بين أجهزة الدولة وتحث أي أسم كان، ولابد كذلك أن تكون الهيئات الحكومية قدوة في مواجهة كل صور الرشوة.
وفي هذا الشأن أقول : إن عدم التصدي الحقيقي للرشوة* يثقل كاهل المواطنين بأعباء لايلزمهم بها القانون من جهة، ويقضي على مبدأ المساواة بين الناس والثقة المتبادلة بين الدولة وأفراد المجتمع من جهة أخرى. كون من خلال الرشوة يحصل من يدفع المقابل على حاجته (المصلحة)، ويحرم منها من يمتنع عن الدفع.
فالرشوة، فساد وإفساد في ذات الوقت ...