كفى صمتا

الموضوع الذي سأتحدث فيه اليوم موضوع حساس جدًا، ولأول مرة في حياتي أتناول قضية كهذه. ربما في السابق لم يكن الموضوع يعني لي كثيرًا كما يعني لي اليوم، أما اليوم، فقد هزّ في داخلي شعورًا مؤثرًا وقويًا جدًا، لأنني أصبحت أمًا، ولدي طفل. 
فأصبحت مشاعري كأم لا تشبه أي إحساس آخر. شعور الخوف يسيطر عليّ كثيرًا، وكأن ما تعرّض له الطفل ياسين يمسّني شخصيًا.

بربكم، طفل في السادسة من عمره، يُغتصب ويُنتهك عرضه على يد مدرس في المدرسة؟! أكثر الأماكن التي نثق بها ونبعث إليها أولادنا ليحصّلوا على التربية والتعليم! وأقول: أي تربية؟! أي تربية سيتعلمها الطفل والمدرس الذي يُفترض أن يكون قدوة هو نفسه من يرتكب هذا الفعل الشنيع؟!

حكاية الطفل المصري ياسين ليست سوى واحدة من آلاف قضايا التحرش والاغتصاب التي يتعرّض لها أطفالنا، ولا يزالون. اليوم، أصبح الزمن مخيفًا، ومربع القلق كآباء وأمهات يحاصرنا في كل زاوية، خوفًا مما قد يواجهه أطفالنا.
المدارس صارت مصدر قلق، وإن خفنا أن نرسل أبنائنا إليها فسينشأ جيل جاهل، والسبب أمثال هؤلاء الوحوش البشرية.

حتى بيوت الله لم تعد آمنة، وتعليم القرآن والصلاة في المساجد أصبح من أكثر الأمور التي تُقلقنا. المنتزهات، اللعب، الشوارع، إرسال الأطفال للبقالة، بل حتى بيوت الأهل والجيران... إلى أين وصل بنا الحال؟!

لقد اطلعت على قضايا لأشخاص أصبحوا ملحدين، وكان السبب أنهم تعرّضوا للتحرش في المساجد على يد أئمة، فشوّهوا الدين في أعينهم، ومنهم من بات متشردًا، مجرمًا، أو مريضًا نفسيًا، بسبب تعرضه للتحرش في سن صغيرة. 
طفل ضعيف لا يملك أن يدافع عن نفسه، يُنتهك عرضه على يد أحقر الخلق!

والمشكلة الأكبر، أن كثيرًا من الأهالي حين يكتشفون الأمر، يعاقبون الطفل بدل معاقبة الجاني! ليس الأهل فقط، بل حتى المجتمع، يوجهون أقسى العبارات إلى الطفل وأهله، ويتركون المجرم يفلت من العقاب، ولا يُحاكم إلا نادرًا.

**لكن ما قامت به أم ياسين هو موقف بطولي لا يُقدّر بثمن. لم تسمح للخوف أو العار أن يُخرس صوتها، بل رفعت رأسها ووقفت في وجه الظلم، دفاعًا عن حق ابنها، وحق كل طفل بريء.
لم تتراجع، ولم تخضع لضغوط المجتمع، بل اختارت أن تكون صوتًا للضحايا، حين اختار كثيرون الصمت.

أم ياسين لم تُلقِ اللوم على طفلها كما يفعل بعض الأهالي، بل احتضنته، وصدّقته، وآمنت ببراءته، ثم وقفت بكل شجاعة تطالب بمحاكمة الجاني، وتكشف جرمه أمام العلن، غير آبهة بما قد يُقال عنها.
لقد علمتنا أن الأمومة ليست فقط حنانًا، بل قوة وكرامة، وموقف لا ينهزم أمام الباطل.

إن فعل أم ياسين يستحق الاحترام، ويجب أن يُخلّد كنموذج يُحتذى لكل أم وأب، ولكل من يريد بناء مجتمع يحترم الطفولة، ويحميها من الذئاب البشرية التي تتخفّى في ثياب الثقة.

ما حدث لياسين، رغم قسوته، يجب أن يكون جرس إنذار لكل أب وأم. لم نعد نعيش في زمن نثق فيه بالعناوين أو الأشكال، ولا حتى بالصفات والوظائف. علينا أن نكون أكثر قربًا من أطفالنا، نستمع إليهم، نصدقهم، نمنحهم الثقة كي يتحدثوا دون خوف، فكم من طفل أخفى ألمه لأنه خشي العقاب أو لم يُصدق، وكم من روح بريئة تموت كل يوم بصمت!

علموا أطفالكم أن جسدهم ملك لهم، وأن لا أحد يحق له لمسه دون إذن، حتى لو كان قريبًا أو معلمًا. علموهم كيف يحمون أنفسهم، كيف يرفضون، كيف يصرخون، وكيف يأتون إليكم أولًا إن شعروا بالخطر. لا تخجلوا من الحديث عن التحرش معهم، بل اجعلوه موضوعًا طبيعيًا في تربيتكم.

كذلك، لا تتهاونوا أبدًا في البلاغ والمحاسبة إن حدث أمرٌ كهذا.
الصمت خيانة، والتستر جريمة أخرى. فلنحمِ أبناءنا لا بالصمت، بل بالجرأة والوعي، ولنبنِ حولهم سورًا من الحب والثقة لا يُخترق.

كلمة أخيرة

إن ما تعرض له الطفل ياسين ليس مجرد مأساة، بل جريمة بحق الطفولة والإنسانية. لكنه أيضًا فرصة لأن نعيد ترتيب وعينا، ونُراجع مسؤوليتنا كأهالٍ، ومؤسسات، ومجتمعات. فسلامة الأطفال ليست ترفًا، بل أولوية لا تقبل التأجيل أو التراخي.

تحية إجلال لأم ياسين، التي لم تكتفِ بالبكاء، بل اختارت أن تحارب من أجل ابنها، ومن أجل كل طفل قد يمر بما مرّ به. لعل صوتها يكون بداية لتغيير حقيقي، يعيد للأطفال طفولتهم، وللأمهات بعضًا من راحتهن المفقودة.

مقالات الكاتب