هل القرار رقم (11) يعكس مصداقية مجلس القيادة أم مجرد ذرٌّ للرماد في العيون؟
د. أحمد بن إسحاق
حين تم تعيين رئيس الوزراء سالم بن بريك مطلع عام 2025 خلفًا للدكتور أحمد عوض بن مبارك، كانت البلاد قد...
حين تم تعيين رئيس الوزراء سالم بن بريك مطلع عام 2025 خلفًا للدكتور أحمد عوض بن مبارك، كانت البلاد قد شارفت على الإفلاس، والخزينة العامة شبه فارغة، ومؤسسات الدولة غارقة في فوضى مالية عارمة. منذ يومه الأول، أعلن بن بريك خطة إنقاذ وتعافٍ اقتصادي شامل، هدفها إعادة ضبط الموارد العامة وربطها بالبنك المركزي، وإغلاق الحسابات الحكومية لدى الصرافين والبنوك الخاصة.
لكن خطته اصطدمت بجدار من المقاومة من قبل نافذين، في مقدمتهم أعضاء مجلس القيادة الرئاسي أنفسهم، الذين رفضوا الامتثال لتوجيهات رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي بشأن وقف الحسابات الخارجة عن رقابة البنك. ذلك التمرد أدى إلى تعطّل خطة الإصلاح وإعلان الإفلاس فعليًا، بعدما اضطر رئيس الوزراء إلى إيقاف صرف رواتب الموظفين لحين توريد الإيرادات العامة إلى خزينة الدولة. من خطة إنقاذ إلى قرار سياسي تحت ضغط هذا الانهيار، جاء قرار مجلس القيادة رقم (11) قبل أسبوع، معلنًا دعم خطة الإصلاحات المالية لرئيس الوزراء.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل صدر القرار عن قناعة حقيقية بالإصلاح؟ أم أنه محاولة متأخرة لتدارك اتهامات وجهت للمجلس نفسه بأنه السبب في الإفلاس وتفكك مؤسسات الدولة؟ فالقرار، في جوهره، ليس إلا ردّة فعل على الأزمة، ومحاولة لتجميل الصورة أمام الكاميرات — ولا سيما أمام ولي العهد السعودي — أكثر من كونه التزامًا فعليًا بالتنفيذ. ردّة فعل لا إرادة إصلاح لقد أتى قرار مجلس القيادة رقم (11) في ضوء ما أُثير مؤخرًا حول تحميله مسؤولية الفشل في استعادة الدولة ومؤسساتها، واتهامه بـتمزيق البلاد إلى كنتونات وصراعات نفوذ، فضلاً عن الدعوات المتزايدة إلى حل المجلس وإعادة هيكلة السلطة الشرعية.
وسط هذا الضغط، بدا القرار وكأنه محاولة لذرّ الرماد في العيون، لتقديم المجلس بمظهر المتماسك والمنضبط، بينما الحقيقة أن تماسكه الوحيد هو في مواجهة الشعب وتقاسم موارده.
هيمنة قادت إلى الإفلاس لقد أدت هيمنة وتقاسم أعضاء المجلس للإيرادات العامة إلى انهيار مالي غير مسبوق، جعل الحكومة تعجز عن دفع رواتب موظفيها منذ أشهر، في وقت تستمر فيه مراكز النفوذ بالتحكم في عائدات النفط والجمارك والمنافذ بعيدًا عن الحساب العام. فماذا ننتظر أكثر من الإفلاس لندرك أن الدولة تُدار على شفا الهاوية؟ وأي إنجاز يمكن الحديث عنه بعد أن عجز مجلس القيادة عن استعادة الدولة ومؤسساتها، ونجح فقط في توسيع رقعة العبث والفوضى؟ تعميمات لم تُنفذ وقرار في الأدراج ليس خافيًا أن وزارة المالية سبق أن أصدرت تعميمات واضحة في فترات سابقة لإغلاق الحسابات الحكومية لدى الصرافين والبنوك الخاصة وتحويلها للبنك المركزي، لكنها لم تُنفذ حتى اليوم.
وها نحن بعد مرور أسبوعين على صدور القرار رقم (11)، لا نرى أي بيان يوضح ما تم تطبيقه أو من التزم من المحافظات والمؤسسات. فهل بدأ التنفيذ فعلاً؟ أم أننا أمام قرار جديد كتب ليُعلن أمام الكاميرات ثم يُنسى في الأدراج؟
الشعب ليس غائبًا عن المشهد إن ما يجري لا يمس الحكومة وحدها، بل يضرب أساس حياة كل مواطن يمني ينتظر راتبه أو يترقب تحسن سعر العملة. ولا يمكن أن يُبنى إصلاح حقيقي في ظل إقصاء الشعب وتكميم المجالس المحلية والنقابية التي تعبّر عن صوته.
الإصلاح لا يولد من المكاتب المغلقة، بل من مصارحة الشعب وإشراكه ومراقبته لمسار التنفيذ. القرار في ميزان الصدق إن القرار رقم (11) هو اختبار حقيقي لمصداقية مجلس القيادة الرئاسي، ولإرادته في إعادة بناء مؤسسات الدولة بعيدًا عن المصالح الشخصية.
وسيظل السؤال مفتوحًا أمام الشعب: هل سيورّد أعضاء المجلس أموال الدولة إلى حسابها العام؟ أم سيواصلون تقاسمها كما اعتادوا، إلى أن تسقط الدولة نهائيًا؟ الشعب لا ينتظر خطبًا ولا اجتماعات صورية، بل إصلاحًا يُقاس بنتائجه لا بصوره. وإن لم يكن هذا القرار بدايةً لمحاسبة من عبثوا بالإيرادات، فسيبقى مجرد مسرحية جديدة تُعرض على الجماهير باسم الإصلاح المالي.