بن حبريش بين إرث الدم و تحالفات اليوم : مفارقات لا ترحمها الذاكرة
يحي أحمد
في عام 1998م، اقدمت قوات الاحتلال اليمني بقيادة لهالك محمد إسماعيل الأحمر السنحاني، قائد المنطقة الش...
في عام 1998م، اقدمت قوات الاحتلال اليمني بقيادة لهالك محمد إسماعيل الأحمر السنحاني، قائد المنطقة الشرقية لحضرموت، بارتكاب جريمة اغتيال بشعة لشيخ المقدم علي بن أحمد بن حبريش، مقدم قبيلة الحموم، وذلك بعد مطالبته بحقوق أبناء حضرموت من ثرواتهم المنهوبة.
ويُعد محمد إسماعيل الأحمر قائد المنطقة الشرقية أحد الأعمدة الرئيسية لنظام الاحتلال اليمني في اجتياح الجنوب العربي عام 1994م، وكان يُعتبر في نظر الاحتلال اليمني ملكًا غير متوج لمحافظة حضرموت خلال تلك المرحلة، وقد بسط سيطرته على أرض في سيئون تفوق مساحتها مساحة ملعبين كبيرين بمقاييس دولية لكرة القدم، والتي تم بيعها في شهر أكتوبر 2013م بوكالة صادرة عن محكمة في صنعاء، وجرت صفقة البيع بمبلغ 2,500,000 (مليونان وخمسمائة ألف) ريال سعودي.
وفي تاريخ 2013/12/2م، أقدمت قوات المنطقة العسكرية الأولى على مدخل مدينة سيئون طريق شحوح جنوب غرب سيئون بوادي حضرموت على ارتكاب جريمة بشعة تمثلت في اغتيال المقدم سعد بن حمد بن حبريش ومرافقيه، والتي جاءت بعد وقت قريب من تشكيل الشيخ بن حبريش اتحاد قبائل حضرموت للمطالبة بحقوق أبناء حضرموت من عائدات الثروة النفطية التي تُستخرج من حضرموت.
وكان قائد المنطقة العسكرية الأولى محمد عبدالله الصوملي الشمالي، المنتمي إلى حزب الإصلاح والذي يعمل تحت عباءة العجوز الإرهابي علي محسن الأحمر حينذاك، قد رفض أي حديث عن سحب القوات العسكرية أو رفعها وتسليمها لأبناء حضرموت أو تسليم قتلة الشهيد بن حبريش. وهدّد أبناء الجنوب العربي وأبناء حضرموت بقوله: “هؤلاء يحلمون أن نخرج من حضرموت، لن نخرج منها إلا بعد إحراقها بالكامل.”
اليوم، وبعد مضي عقدين ونيف من عملية اغتيال والده، وعقد من عملية اغتيال عمه، يتصالح الابن عمرو بن علي بن حبريش مع قتلت أبيه وعمه، ويغضّ الطرف عن قلعة الإرهاب "المنطقة العسكرية الأولى"، التي منها خرج الجنود بأمر من جنرالهم العجوز الإرهابي لقتل عمه المقدم سعد بن حمد بن حبريش، الذي خرج يطالب بحصة أبناء حضرموت من ثرواتهم المنهوبة.
وبالأمس ظهر عمرو علي بن حبريش في خطاب يرفع راية حضرموت ظاهريًا، بينما يمارس على أرض الواقع ما يناقض جوهر تلك الراية؛ يرفض النخبة الحضرمية المشكلة من أبناء حضرموت، فيما يغض الطرف عن المنطقة العسكرية الأولى التابعة لقوى الاحتلال اليمني، الجاثمة على ثروات حضرموت منذ ثلاثة عقود، والتي منها تخرج العناصر الإرهابية لتنفيذ الاغتيالات والتفجيرات في حضرموت وشبوة وأبين، بالإضافة إلى تهريب السلاح إلى الحوثي.
وهذا ما أكده فريق خبراء الأمم المتحدة في تقريره الصادر عام 2022م، أن القوات الموالية للإخوان تقوم بعملية تهريب للأسلحة إلى الحوثيين عبر موانئ المهرة، ومنها إلى وادي حضرموت ثم مأرب وصنعاء العاصمة الخاضعة لأذرع إيران. وتبلغ عدد قوات المنطقة العسكرية الأولى 45 ألف مجند بمختلف أنواع الأسلحة، وجميعهم ينتمون إلى المحافظات الشمالية. وسبق أن صرّح متحدث التحالف تركي المالكي، الذي زار شبوة عقب تحريرها من الحوثيين في مطلع العام 2021م، أن قوات المنطقة العسكرية الأولى لا تتبع حكومة هادي، وتخضع هذه القوات لقوى الاحتلال اليمني وعلى رأسهم حزب الإخوان الإرهابي.
فليس من الغريب أن يروّج إعلام الإخوان والحوثيين لعمرو بن حبريش، الذي يرون فيه خط الدفاع الأول لقلعة الإرهاب لقوى الاحتلال اليمني "المنطقة العسكرية الأولى"، فهم ينظرون إليه كأداة تمكّنهم من تفكيك النسيج المجتمعي الحضرمي، وإبقاء سيطرتهم في نهب ثروات حضرموت وحرمان أبنائها منها.
فكيف لمن يتحالف مع قاتل أبيه وعمه أن يدّعي الدفاع عن حقوق أبناء حضرموت، بينما هو في الواقع يمدّ يده لمن شارك في قتل والده وعمه، ونهب الأرض والثروة، وحرمان أهلها من أبسط حقوقهم؟
الأجدر بك يا عمّوري أن تنأى بنفسك عن أحضان قوى الاحتلال اليمني، فهم لم يقدّموا لحضرموت خيرًا، ولو كانوا يحرصون على مستقبلها لما أقدموا على إزهاق روح والدك وعمّك لمجرّد أنهما طالبا بحقوق أبناء المحافظة.
إن معركة حضرموت اليوم ليست معركة شعارات ولا بيانات سياسية تُصاغ عند الحاجة، بل معركة وعي وموقف. فإما أن تقف مع أهلك وأرضك وتاريخك، وإما أن تتحول إلى أداة بيد من لا يرى في حضرموت سوى غنيمة.
والتاريخ لا يرحم، والناس لا تنسى، والحق لا يُطمس مهما حاولت القوى المتنفذة أن تغطيه بدخان الخطابات أو تلوّنه بشعارات زائفة.
حضرموت أكبر من أن تُختزل في أشخاص، وأسمى من أن تُباع في سوق التحالفات المصلحية وما تحتاجه اليوم هو رجال ثابتون، لا يساومون على دماء آبائهم ولا على كرامة أهلهم.