"قناع أبيض"

صدى الحقيقة: خاص
 
قصة قصيرة : عيشة صالح محمد
 
استيقظ عادل من نومه مخنوقا من رائحة عفنة تملأ الحجرة، تلفت حوله ليرى مصدر الرائحة، أدرك أخيرا أنها تنبعث من جسده "يا إلهي كل ذلك مني؟" حدث بها نفسه ثم هرع إلى الحمام، اغتسل ثم نشف جسده من الماء، وما زالت الرائحة العفنة عالقة فيه، أعاد الاغتسال مرة، أخرى بالغ في استخدام الصابون والليفة وغمر شعره بالشامبو، ثم نشف جسده ووضع عطره المفضل، ولم يفلح ذلك بالتخلص من تلك الرائحة.
جلس على سريره مجهدا من تكرار الاغتسال، وأخذ يحدث نفسه، في ذهول مما أصابه ... ثم ذهب إلى المطبخ يلتمس الحل من زوجته المنشغلة في إعداد الطعام، وما إن اقترب منها حتى شعر بالرائحة ضعف ما كانت عليه، غلبت رائحة العفونة رائحة الطبخ، ظل صامتا لا يدري ما يقول، استدارت إليه تسأله:
- هل تريد شيئا؟
قال في تردد:
- تشمين ما أشم؟
- كيف لا أشم رائحة الطعام الزكية، دقائق قليلة وأنتهي، يبدو أنك شديد الجوع.
- لا أقصد رائحة الطعام، بل رائحتي. ( لم يذكر رائحتها)
- أووه يا عزيزي، إنني معتادة على رائحة عطرك الرائعة، لذلك لم أعلق. 
جال في خاطره "يبدو أنها لا تشم الروائح العفنة، أكاد أختنق، علي مغادرة المكان" 
غادر المنزل ووجد أن كل من قابلهم تنبعث منهم روائح عفنة على درجات متفاوتة، والغريب أن لا أحد يشم ذلك غيره، رابه أمر نفسه، استشار أطباء ولم يجد الحل لديهم، فعمد إلى مهاتفة أحد الوعاظ العارفين بالله، وقص له معاناته، فاستغفر الواعظ وحسبل واسترجع، ثم أخبره أنه قد انكشفت له قدرة عجيبة، وهي شم روائح الذنوب والآثام، فاندهش عادل مما سمع، وقال للواعظ:
- أيعني ذلك أن كل ما أشمه من روائح هي ذنوب وآثام أصحابها؟
- نعم هو كذلك، ولا أحد غيرك يشمها.
لم يخبر عادل أحدا بذلك، وظل وحده يحمل هما وحزنا وحيرة كبيرة، ورأى أن حياته ستنقلب قطعة من العذاب إن استمر على حاله تلك، وروائح الناس حوله تخنقه علاوة عن رائحته هو، فكر كثيرا ثم قرر الذهاب إلى الواعظ ليجد له حلا، وينتشله من معاناته، وعندما دخل عليه مجلسه أغمي عليه من شدة الرائحة.