نشر موقع "أنتربرونور" الأمريكي مقال رأي لرائدة الأعمال مامتا رودريغز، تحدثت فيه عن الطفرة التي يشهدها نظام المدفوعات الرقمية، والتحوّل الذي يحدثه في مختلف القطاعات والصناعات.
وقالت الكاتبة، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، إن الاعتماد على المدفوعات الرقمية سرع التغيير الاقتصادي بطرق ملموسة، خاصة مع التحول في سلوك المستهلك خلال فترة الجائحة، وهو ما يوفر إمكانية تعقب متطورة، وتعزيز الأمن على الصعيد الداخلي وفي الدول النامية على نطاق واسع. وبما أن غالبية سكان العالم يمتلكون اليوم هواتف ذكية، فإن هذا من شأنه أن يزيد المدفوعات الرقمية على مستوى العالم.
وأكدت الكاتبة أن هذا التحول الديمقراطي في المدفوعات، الذي شمل المؤسسات المالية التقليدية وقطاع الاتصالات والتجارة وصولا إلى التكنولوجيا المالية والعلامات التجارية، ساهم في طفرة التمويل المضمّن، وكان له تأثير مركب على التعاملات المالية للعملاء من خلال تجربتهم الرقمية.
بناء اقتصادات وتعزيز نشاطات تجارية جديدة
من بين الآثار الخارجية الإيجابية للجائحة أن الناس يشعرون براحة أكثر من أي وقت مضى عندما يشترون عبر الإنترنت. ولم تعد الرغبة في التفاعل في الفضاء الرقمي مقتصرة على الأجيال الشابة، بل أصبح مألوفًا رؤية الجيل الأكبر سنًا يدفع عبر الإنترنت. وفي الدول النامية، ساعدت التطورات السريعة في مدفوعات التكنولوجيا المالية في أكثر من مجرد تسهيل الحياة؛ فقد ساهمت بشكل مباشر في تحسين جودة الحياة وسلامة الإنسان وتطبيق السياسات، حيث لا يزال التحول من النقد إلى المدفوعات الرقمية في مراحله الأولى.
وقد لاحظت الكاتبة في رحلتها الأخيرة إلى الهند جزءًا من التحول الرقمي في العالم. بعد أن زارت الهند آخر مرة قبل عامين من تفشي الوباء، كانت تتوقع أن ترى تغييرا طفيفا، لكنها هذه المرة وجدت نفسها داخل محل أزهار محلي صغير جعلته المدفوعات الرقمية أكثر حداثة بعد أن كان يقبل النقد فقط في تعاملاته.
شقّت البلدان النامية طريقها إلى تبني المدفوعات الرقمية لتتحول الاقتصادات غير الرسمية ببطء إلى أنظمة بيئية أكثر شفافية يمكن تتبعها وإدارتها. لقد تطورت علاقة تكافلية بين الأسواق الخاصة والعامة، ما أتاح المنافسة وعزّز النمو الاقتصادي والخيارات بالنسبة للمستهلكين، وأتاح للحكومات والهيئات التنظيمية إمكانية التتبع والمساءلة.
وأوضحت الكاتبة أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل أحد المصادر الرئيسية للدخل لكثير من السكان في أمريكا اللاتينية. وحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن ما يقارب 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لم يكن مسجلاً في أنظمة الدفع الرسمية، وبالتالي لم يكن خاضعًا لسيطرة الحكومة في 2018، لكن بحلول سنة 2023 باتت 36 في المئة فقط من قيم معاملات نقاط البيع نقدًا.
بصفتك مستهلكًا، لديك القدرة على البحث عن أي منتج أو خدمة من خلال هاتفك المحمول، وبصفتك عاملًا، يمكنك الحصول على تدفق نقدي مستمر بفضل سهولة الوصول إلى المستهلكين. يخلق هذا السيناريو المربح للجانبين المزيد من عقلية ريادة الأعمال، إذ ترى العلامات التجارية فرصًا وتحديات للتواصل وبناء علاقة مباشرة دائمة مع المستهلكين الذين لديهم الآن خيارات رقمية في كل مكان.
البيانات الكامنة وراء المال
ذكرت الكاتبة أنه مع وجود هذا السيناريو المتطور باستمرار، يتبادر إلى الذهن سؤال واحد: كيف تتعامل الشركات مع هذا النظام المالي وتدمج المدفوعات في أعمالها؟ الإجابة هي: البيانات.
ترى الكاتبة أن إدخال المدفوعات الحديثة إلى الأسواق الناشئة يخلق عالمًا من الفرص. ومن خلال تطوير العديد من العوالم المصغّرة، يمكننا سد الفجوات بين الخدمات المختلفة التي يحتاجها الأشخاص والحلول الرقمية اللازمة لتسهيل تلك المعاملات الفورية من خلال تجارب العملاء الجديدة وتدفقات الدفع.
ومن خلال التحوّل إلى المدفوعات الرقمية، تكتسب الشركات القدرة على تتبع المستهلك من تاجر إلى آخر، ما يمكنها من فهم المعاملات والأنماط السلوكية بشكل أفضل، والانتقال إلى التخصيص المفرط للعروض والمنتجات.
وحسب الكاتبة، يمكن أن تقلب هذه البيانات استراتيجيات التسويق وتعيد تصور رحلة العملاء مع البائعين لتقديم عروض جديدة وبرامج ولاء في علاقة مباشرة بين العلامات التجارية والمستهلكين من خلال تدفقات الدفع المضمّنة. وإلى جانب هذه البيانات، هناك حاجة ملحة إلى معالِجات عمليات الدفع وشركات إصدار البطاقات لإدارة هذه البيانات، واستخدامها بشكل مسؤول. وفي الوقت الحالي، يسير قِطاع المدفوعات على المسار الصحيح لتحقيق إمكانات عوالم مصغرة جديدة لم تكن ممكنة في السابق.
تمكين الأفراد وتوفير التجارة
عند استخدامها بشكل صحيح، فإن حلول الدفع الحديثة لا توفر الراحة للمستخدم فحسب، بل تعمل أيضًا على تحسين السلامة والأمن والسرعة في كل خطوة. علاوة على ذلك، يمكن للبيانات الكامنة وراء المدفوعات أن تغير طريقة اكتشافنا للعملاء والتفاعل معهم. بالنسبة للشركات، فهذه فرصة لإنشاء حملات مستهدفة وتقديم الخدمات والمنتجات بسهولة. وعلى الصعيد العالمي، يمكنها إنشاء بيئة مستخدم صديقة للمستهلكين في منصاتها، وزيادة إيراداتها وقاعدة عملائها.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
أشارت الكاتبة إلى أن مفتاح ازدهار مجال المدفوعات الرقمية هو المستهلك، الذي باتت لديه خيارات أكثر من أي وقت مضى. نجد في الصدارة اليوم أفضل شركات الخدمات المالية والعلامات التجارية للتجارة الإلكترونية والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا؛ لأنها تركز على أن تصبح شركاء أفضل لعملائها، ما يجعلها أفضل الموردين.
كما أن المشاركة القوية للعلامات التجارية خلال رحلة العميل ستجعلها بارزة بالنسبة للمستهلكين الذين يبحثون عن تجربة متسقة وسلسة من البداية إلى النهاية. ومن خلال تصحيح توافقنا مع ما هو أفضل للأشخاص في الطرف الآخر من المعادلة، فإن قِطاع الخدمات المالية لديه القدرة على تغيير العالم كما نعرفه، وهذا التغيير يحدث أمامنا اليوم.