تعظيم الثقافة خارج العاصمة اليمنية "المرأة المثقفة أنموذجًا"

سألت زوجي وأنا أحدثه عن الثقافة، أهي العلم؟ قال: لا. أردفت: أهي المعرفة؟ قال: لا. قلت: أهي الحضارة أم العقيدة أم التاريخ أم العادات والتقاليد والأخلاق أم هي المدنية أم الأفكار والفنون والآداب... أم، أم...؟ وكان جوابه دائمًا بالنفي. 

 

 

قلت ما هي الثقافة إذن؟ قال: هذه المفردات بعض مكوناتها، فمعناها ومجالها واسع، ومن الصعب ترويضها بتعريف أو مصطلح واحد.

 


في بحثي عن تعريفها، اكتشفت أن هنالك المئات من التعريفات للثقافة. ويُجمع كثيرون أنها عملية تفكير ومعرفة جماعية.

 

 ويعرفها "تايلور" بأنها مجموعة المعرفة والمعتقدات والفن والأدب والأخلاق والقوانين والعادات وغيرها من القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع. 

 

ولا يبتعد "كوينسي رايت" عن سابقه، إذا يرى أنها النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات التي تعيش في حالة من التبادل المستمر بين الأفراد، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل التالي من خلال عملية التربية والتعليم.

 


تكمن أهمية الثقافة في أنها مصدر للمعرفة للإنسانية والمعلومات المتراكمة، وتساعد على معرفة الأصول والتاريخ وتعزز التفاهم المتبادل بين المجتمع الواحد والمجتمعات الأخرى. 

 

 

ولذلك فإنها أحد أهم أدوات القوة الإيجابية والتواصل (القوة الناعمة)، ولها قدرة هائلة على تغيير المجتمعات في حال وجهت من قبل الدولة والأنظمة الحاكمة بشكل سليم، وهي في الوقت ذاته أهم أدوات المجتمع للضغط على الأنظمة وإجبارها على تنفيذ الإصلاحات، وإعمال الحكم الرشيد.

 


في اليمن، كان للحراك الثقافي دورًا كبيرًا في التخلص من حكم الأئمة، في منتصف القرن الماضي، والانتقال بالبلاد إلى حكم جمهوري ينشد العدل والمساواة والديموقراطية. 

 

 

لقد كانت المرأة شريكًا فاعلاً في ذلك التحول، لكن سرعان ما همشت وتراجعت أدوارها جراء مجموعة من العوامل الداخلية كالعادات والتقاليد المحافظة، معززة بالأيدلوجية الدينية القادمة من دول الجوار أو عبر الجماعات الإسلامية المنظمة والعابرة للحدود.

 


وقد ظلت المرأة اليمنية لعقود خارج الحسابات السياسية أو القيادية للدولة، لذلك ومن خارج أسوار السلطة وأسوار عاصمتها السياسية صنعاء في أحيان كثيرة، اتجهت كثير من النساء اليمنيات للاشتغال في المجال المعرفي والثقافي في محاولة منهن للتأثير في بنية الدولة والمجتمع في آن واحد.

 

 وهنا يمكننا الاستشهاد برمزية الإرياني، وهي مثقفة رائدة من محافظة إب وسط اليمن، وتعد من أوائل المثقفات اليمنيات. عرفت رمزية الإرياني بكونها شاعرة وروائية وكاتبة جيدة، وقد قادها نشاطها الثقافي المبكر بعد قيام الثورة اليمنية في 1962، إلى الانخراط في السلك الدبلوماسي لتصبح أول سفيرة يمنية، ثم رئيسة لاتحاد نساء اليمن، وقد استغلت الإرياني مكانتها، وإصداراتها الثقافية المتنوعة، رغم عملها الحكومي، للحديث عن هموم وتطلعات بنات جنسها بشكل خاص ولم تنس واجبها ودورها تجاه الشعب بشكل عام.

 


لم يكن طريق رمزية الإرياني القادمة من أرياف اليمن سهلاً، فقد واجهت صعوبات شتى، وبمساعدة من أسرتها ورفاقها في الوسط الثقافي تجاوز بعض تلك الصعوبات، ولم تستطع تجاوز البعض الآخر المرتبط ببنية المجتمع الثقافية المرتكزة على العادات والتقاليد الرافضة لكل دور أو فعل ثقافي أو اجتماعي تقوم به المرأة. 

 

هذا الرفض المجتمعي كان يخفت تارة، ويعود إلى التشتت أو الانغلاق تارة أخرى بفعل القاعدة القبلية أو الدينة للمجتمع اليمني، وهو ذات الوضع الذي تعيشه المرأة اليمنية المثقفة اليوم، حيث تتباين الصورة الذهنية عن المثقفات اليمنيات في المجتمع حاليًا.

 


هناك اعتقادان متضاربان حول دور المثقفة اليمنية، حيث يرى فريق، وهو الأصغر، أنها عنصر أساسي ومهم في أي حراك ثقافي، ويعظم شأنها ودورها في هذا المجال، باعتبارها شريك لا يمكن الاستغناء عنها في تنوير المجتمع وضبط بوصلته المعرفية والثقافية، ويجعل لها حقًا مطلقًا في المساهمة في تحديث ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده والوصول إلى الدين الوسطي والقيم الإنسانية الراسخة. 

 

بينما يصر الفريق الأكبر على أنها تتجاوز دورها التقليدي كربة منزل، ووصل الحال أن بعضًا من هذا الفريق يروج لفكرة أن عمل النساء في الوسط الثقافي والمعرفي جزء من مؤامرات دولية تستهدف تغيير البنية المجتمعية اليمنية المحافظة والقيم والدينية، ويضربون على ذلك مثلاً برفض بعض المثقفات للحجاب.


مع دخول الحرب في البلاد عامها العاشر نجد أن الناشطات والمثقفات اليمنيات يواجهن تحديات عديدة، حيث يتعرضن لانتقادات وهجمات من قبل المتشددين ويتم منعهن من السفر بدون محرم في بعض المناطق. 

 

وهذا يجعل عملهن وخدمتهن للمجتمع أكثر تعقيدًا، ورغم ذلك فمن المهم أن تقود المثقفات والناشطات اليمنيات حوارات مفتوحة مع القوى التقليدية والدينية والسياسية للتوصل إلى تفاهم مشترك حول مستقبل اليمن، ويجب على الوسط الثقافي، ومنظمات المجتمع المدني، والحكومة، وضع رؤى واضحة للعمل الثقافي في اليمن، على أن تكون المرأة أحد ركائزه، وتحديد الأولويات التي يجب التركيز عليها لخدمة المجتمع.