الشيخ محسن جرهوم رجل و موسوعة عربية بالتاريخ القديم

تحدثنا في المقال السابق عن مورخون اليوم وعن أحد المغاوير الشيخ محسن اليافعي وأهم ميزة يتصف بها الشيخ في البحث عن التاريخ والانساب ولانه يوجد به ميزة الصدق كأهم صفة من صفات المورخين التي لابد على أي مورخ أن يتحلى بها إذا أراد أن يكون مورخ ناجحاً ومؤثرا، وقلنا إن هناك ارتباطا كبيرا بين الصدق والحقيقة وإن الكذب هو دلالة على الجبن، وإن الصدق من أهم مآلات الصدق.

ونواصل الحديث عن الصفة الثانية المؤثرة في شخصية الشيخ محسن ألا وهي العلاقة العامة يعزز الشعور بالأمان والطمأنينة ويشحذ الهمم ويبعث الأمل فيمن حوله. فهو رجل له علاقة قوية ببعض المورخين الذين نتكلم عنهم  وهو رجل ليس لديه نوع من التهور والاندفاع، إنما هي صفة عرفها الإسلام  كما عرفها ابن القيم الجوزي " ثبات القلب عند النوازل واستقراره عند المخاوف وإن كان ضعيف البطش"، فالصدق في الأقوال والأفعال والأحوال يثمر ثابتاً على الحق ومواجهة الأزمات، وقوة في بذل الجهد لتحقيق الأهداف. 
إن حقيقة الصدق المطلوبة هي التي تمد الآخرين بالثقة والأمان فكل يعمل دون خوف أو توتر بأن هناك من يترصد لزلاتهم وأخطائهم فهم يثقون تماما بأن هناك مورخ يتصدى ويواجه الصعوبات من أجلهم، فيحفزهم ذلك إلى بذل الجهد والإبداع في العمل، فاالمورخ الشجاع هو رجل المواقف الذي تجده ثابتاً على مبادئه قوياً لا يتزعزع قيد أنملة حين تتلاطم أمواج المصاعب والمحن.

لقد تابعت منذ عام ١٩٩٠ في اليمن والجنوب من خلال مقالتي خلال المهنية تحت إمرة العديد من المورخين والمشائخ والمسؤولين، وكان له منهم أسلوب معين أو مميز في المشيخة والتاريخ والإدارة، ولكن أفضلهم على الإطلاق كان الصادق الشيخ محسن جرهم الذي لا يتهرب من مواجهة العواقب عند العثرات والزلات، شيخ في التصدي للمواقف ومتبع جيد لسير الأعمال، فيشعرك دائماً بالأمان والثقة.

وقد يعتقد البعض بأن المشيخة فقط في اتخاذ الحكم  الحاسمة في المواقف الصعبة أو القدرة على المواجهة، وإن كانت هذه سمات بالمشيخه  مطلوبة، ولكن حقيقة شيخ  أبعد من أن تقتصر على هذه الأمور، فالاعتراف بالخطأ والتقصير وتحمل المسؤولية والعواقب شجاعة، وطلب النصيحة والمشورة عندما يقتضي الأمر ذلك شجاعة، وتقبل النقد والتوجيه برحابة صدر دون حمل أي ضغائن للآخرين شجاعة، وكذلك توجيه وتعليم وتدريب جيل جديد لمواصلة مسيرة العمل بكل احترافية ومهارة وأمانة في نقل المعلومة والمعرفة والخبرة شجاعة.

لقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة فهو القائد الصادق الأمين الشجاع، يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه " كنا إذا أحمر البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه " (رواه أحمد)، ولقد حذا الصحابة حذو الرسول الكريم فكانوا أسودا لا يشق لهم غبار ثابتين على الحق لا يأخذهم في الله لومة لائم.

وهذا سيدنا أبوبكر الصديق يبقى ثابتاً بكل شجاعة وصدق على قرار حرب المرتدين، وهو القائد الأعلى للأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول الكريم بالرغم من معارضة أصدق الصحابة إيمانا وأقواهم وأجرأهم شجاعة وقوة سيدنا عمر بن الخطاب لذلك، فقال له قولته المشهورة " أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي" " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عزَّ وجلَّ قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنَّه الحق" (رواه البخاري ومسلم).