الوحدة اليمنية كلمة حق يراد بها باطل ,
كل شعوب العالم تواقة للوحدة , وهكذا كان الجنوبيون أيضآ من دعاة الوحدة اليمنية والعربية والإسلامية , قدم الجنوبيون وبطواعية تامة وبفرحة عارمة وطنهم وكوادرهم وقادتهم وشعبهم قربانا للوحدة اليمنية , لم يقدم الشمال للجنوب سوى عصابات النهب والإقصاء والظلم والاضطهاد والتهميش والتطفيش .
قدم الجنوبيون شريطهم الساحلي الطويل لشركات تصدير وتجريف الأحياء البحرية لآل الاحمر والزنداني وغيرهم من هوامير الشمال , قدم الجنوبيون آبار نفط حضرموت وشبوة وحرموا أهاليها من أبسط الخدمات الصحية والتعليمية ولم يشيدوا حتى محطة كهرباء جزاء بما قدمته تلك المحافظات الجنوبية .
لم يتركوا حتى مزارع العجول و الأبقار في لحج وأبين نهبوها وقسموا مزارعها وباعوها , وتحولوا من جياع حفاة عراة إلى مليونيرات بين عشية وضحاها , ماذا قدم الشمال للشمال أو للجنوب , ماحدث في صعدة كان نتاج طبيعي للتهميش والتجويع وكذلك حدث ويحدث للحديدة وحجة والمحويت وغيرها من مناطق الشمال , وكانت النتيجة هي هذه الحرب المستعرة حتى يومنا هذا.
رغم ظلم الشمال للجنوب في حرب صيف 94م والتي أفضت إلى كفر الجنوبيون بالوحدة اليمنية , ومع هذا أرى بأن حرب صيف عام 94م أقل خطرا على الجنوبيون من هذه الحرب , كانت حرب صيف 94م سياسية مناطقية وجهوية بإمتياز , أم حرب 2015م كانت طائفية عرقية وهي أشد خطرا وفتكا من أي حروب شنت على جنوب اليمن منذ مئات السنين أو أكثر .
حرب الزنابيل والقناديل مزقت النسيج الاجتماعي الشمالي ولن يعود ذلك الشيخ الامر الناهي والمسيطر إلى سابق عهده , أهين وأذل غالبية مشائخ وقادة وزعماء الشمال على يد مليشيات الحوثي , حتى حرمات النساء أنتهكتها مليشيات الحوثي في الشمال قبل الجنوب , وحتى كبار علماء ومشائخ ومراجع البيت الزيدي يتعرضون للاقصاء والتهميش , التحول من المذهب الزيدي إلى المذهب الشيعي الاثنى عشري لم يكن قريب الصدفة بل تم التحضير له منذ ثلاثين عام تقريبا في صعدة وبيروت وطهران .
صنعاء لم ولن تعود صنعاء كما كانت , حتى لو توقفت الحرب وعاد أبناء عفاش إلى صنعاء , فلكل حرب إفرازاتها على صعيد الجانب العسكري والسياسي والإجتماعي وحتى المذهبي والثقافي , ستتحول مليشيات الحوثي للعمل السياسي و الميداني وستترك السلاح المليشياتي , لأنها ستنخرط بالعمل السياسي والديمقراطي وستستحوذ على الجيش والأمن والسلطة التنفيذية وحتى الشرعية بالشمال .
لن تسمح مليشيات الحوثي بعودة رموز وقادة وزعماء النظام السابق لسابق عهدهم , لأنه سيشكل خطرا حقيقيا ووجوديا عليها , لا يوجد غير طريق أو مخرج يتيم للقضاء على مليشيات الحوثي فكريا ثم إجتماعيا , وهو دعم وإسناد كبار مشائخ المذهب الزيدي المعارضين حتى اللحظة للمليشيات الحوثية و المذهب الشيعي الدخيل .
الوحدة إنتهت وإلى الأبد مع الشمال , والإصرار عليها هو الإصرار على مزيد من الحروب والأزمات من قبل أمراء الحروب وتجارها , الرئيس هادي على قناعة تامة بأن مليشيات الحوثي ومشائخ ونخب الشمال ترفض رفضا قاطعا مشروع الأقاليم الستة وخصوصا إقليم آزال ( صنعاء , ذمار , صعدة , عمران ) الفقير بالموارد والثروات الطبيعية والموانئ البحرية , وبسبب هذا المشروع أحتجز الرئيس هادي كرهينة وكذلك أمين عام الحوار الوطني بن مبارك وحكومة الكفاءات بصنعاء .
تمسك الرئيس هادي بمشروع الأقاليم المرفوض من الشمال والجنوب هو بطلب من حزب الإصلاح الخاسر الأوحد من هذه الحرب بعد توقفها , مليشيات الحوثي هي المنافس الأكبر لحزب الإصلاح في الشمال لأن كلا التنظيمين يعتمدان على الخطاب الديني والفكري الإسلامي لاستقطاب عناصرهما , ولا خيار للرئيس وحزب الإصلاح غير إطالة أمد الحرب والأزمة لاستنزاف جميع الأطراف الفاعلة بالحرب اليمنية من أجل إضعافهم للقضاء عليهم لاحقا .
مايحدث الان على الأرض هو تطبيق عملي لخيار الفدرالية من إقليمين جنوبي وشمالي , حتى مليشيات الحوثي وصلت إلى هذه القناعة التامة , وأصبح مطلبها الرئيس حاليا توقف الغارات الجوية والتوقف عند مشارف ميناء ومدينة الحديدة لتعلن بعدها عن وقف جميع عملياتها العسكرية وحتى الصاروخية الباليستية على السعودية , والشروع بالعملية التفاوضية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على صياغة الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية , قطبي المعادلة على الأرض هما مليشيات الحوثي في الشمال والمجلس الإنتقالي في الجنوب .