استطاعت «زي جلو»، الشركة الناشئة في وادي السليكون، أن تحقق مبيعات قياسية لبراءات الاختراع الخاصة بها عام 2021 عندما جاءت لحظة فارقة، إذ إنه بعد 13 شهراً ظهرت التكنولوجيا التي تمتلكها الشركة، والمصممة لتقليص الوقت والتكلفة لصنع الرقائق، ضمن براءات الاختراع لشركة «تشيبولر»، وهي شركة ناشئة في مدينة «شنتشن»، مركز التكنولوجيا بجنوب الصين.
اشترت «تشيبولر» ما يشار إليه باسم تقنية «chiplet» أي «الرقائق الصغيرة»، وهي طريقة فعّالة من حيث التكلفة لتجميع مجموعات من أشباه الموصلات الصغيرة لتكوين كتلة برمجية واحدة قوية قادرة على تشغيل كل شيء بدءاً من مراكز البيانات الضخمة إلى الأدوات الإلكترونية المنزلية.
يتزامن نقل هذه التكنولوجيا الحديثة الذي لم يرد لها ذكر من قبل مع توجه لتكنولوجيا «الرقائق الصغيرة» في الصين بدأ قبل نحو عامين، وذلك وفقاً لتحليل رويترز لمئات براءات الاختراع في الولايات المتحدة والصين، وعشرات من مستندات المشتريات الحكومية الصينية، والأوراق البحثية، والمنح المحلية، والدولية، فضلاً عن وثائق سياسة الحكومة المركزية والمقابلات مع المديرين التنفيذيين للرقائق الصينية.
يقول خبراء الصناعة إن تقنية الشرائح الإلكترونية أصبحت أكثر أهمية بالنسبة للصين منذ أن منعت الولايات المتحدة الصين من الوصول إلى الآلات والمواد المتقدمة اللازمة لصنع معظم الرقائق المتطورة اليوم، وتعمل الصين الآن إلى حدٍ كبير على دعم خططها للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في تصنيع أشباه الموصلات.
وقال يانغ مينج رئيس شركة «تشيبولر» عن تقنية «الرقائق الصغيرة» في مقابلة مع رويترز، «المنافسة بين الولايات المتحدة والصين عند خط البداية»، وأوضح أنه «في (تقنيات الرقائق) الأخرى هناك فجوة كبيرة بين الصين والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان».
سلّطت السلطات الصينية الضوء على تكنولوجيا «الرقائق الصغيرة» بشكلٍ متكرر في السنوات الأخيرة، إذ لم يذكر ذلك قبل عام 2021، وأشارت إلى ما لا يقل عن 20 وثيقة سياسية من الحكومات المحلية وحتى الحكومات المركزية إلى ذلك كجزء من استراتيجية أوسع لزيادة قدرات الصين في «التقنيات الرئيسية والمتطورة».
تستغل بكين بسرعة تقنية الرقائق في تطبيقات متنوعة مثل الذكاء الاصطناعي للسيارات ذاتية القيادة، وكيانات من التكنولوجيا العملاقة مثل «هواوي تكنولوجيز» وصولاً إلى المؤسسات العسكرية التي ما زالت تستكشف استخداماتها المختلفة وأيضاً المزيد من الاستثمارات الكبرى في المنطقة في الطريق، وفقاً لتصريحات الشركات مؤخراً.
مزايا تكنولوجيا «الرقائق الصغيرة» للصين :
يمكن أن تكون الشرائح الصغيرة بحجم حبة الرمل أو أكبر من الصورة المصغرة ويتم تجميعها معاً في عملية تُسمّى التغليف المتقدم، وهي تقنية تتبناها صناعة الرقائق العالمية بشكلٍ متزايد في السنوات الأخيرة مع ارتفاع تكاليف تصنيع الرقائق في القطاع لجعل الترانزستورات صغيرة جداً لدرجة أنها تُقاس الآن بعدد الذرات.
يمكن أن يساعد ربط «الرقائق الصغيرة» معاً بإحكام على إنشاء أنظمة أكثر قوة دون تقليص حجم الترانزستور، إذ يمكن أن تعمل الرقائق المتعددة وكأنها عقل واحد، وتستخدم خطوط الكمبيوتر المتطورة من «أبل» تقنية «الرقائق الصغيرة»، كما تفعل رقائق «إنتل» و«AMD» الأكثر قوة.
ويقع ربع السوق العالمية لتغليف الرقائق العالمية واختبارها في الصين، وفقاً لشركة «دونغقوان للأوراق المالية»، بينما يقول البعض إن هذا يمنح الصين ميزة في الاستفادة من تقنية الرقائق الإلكترونية.
كما حذّر يانغ، رئيس شركة «تشيبولر»، من أن نسبة صناعة التعبئة والتغليف في الصين التي يمكن اعتبارها متقدمة «ليست كبيرة جداً».
في ظل الظروف المناسبة، يمكن إكمال وحدات «الرقائق الصغيرة» التي تُصنع بسرعة وفقاً لاحتياجات العميل، خلال «ثلاثة إلى أربعة أشهر، هذه هي الميزة الفريدة التي تتمتع بها الصين»، وفقاً لما قاله يانغ.
قال شي نيدهام، وفقاً لبيانات الاستيراد التي نشرتها وكالة الجمارك الصينية، إن شراء الصين معدات تغليف الرقائق ارتفع إلى 3.3 مليار دولار عام 2021 من أعلى مستوى له سابقاً عند 1.7 مليار دولار عام 2018، على الرغم من انخفاضه العام الماضي إلى 2.3 مليار دولار مع تراجع سوق الرقائق.
منذ أوائل عام 2021، بدأت الأوراق البحثية حول «الرقائق الصغيرة» الظهور من قبل باحثين من جيش التحرير الشعبي الصيني والجامعات التي يديرها، وتتطلع المعامل التي تديرها الدولة والتابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني إلى استخدام رقائق مصنوعة باستخدام تقنية الشرائح الإلكترونية المحلية وفقاً لستة عطاءات نُشرت خلال الثلاث سنوات الماضية.
تُظهر المستندات العامة من قبل الحكومة أيضاً منحاً بقيمة ملايين الدولارات للباحثين المتخصصين في تقنية الشرائح، بينما انتشرت العشرات من الشركات الأصغر في جميع أنحاء الصين في السنوات الأخيرة لتلبية الطلب المحلي على حلول التعبئة والتغليف المتقدمة مثل الرقائق الصغيرة.
الصراع الصيني- الأميركي
على خلفية التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، حصلت الشركة الصينية «تشيبولر» على 28 براءة اختراع؛ إمّا مملوكة لشركة «زي جلو» أو اخترعها أشخاص مدونون بأسمائهم على براءات اختراع «زي جلو»، وفقاً لتحليل باستخدام قاعدة بيانات «Acclaim IP» الخاصة بشركة تكنولوجيا إدارة الملكية الفكرية.
نُفذ الاستحواذ من خلال نقل للتكنولوجيا على خطوتين، أولاً من خلال شركة «نورث سي انفستمنت» المسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وفقاً لوثائق اطلعت عليها رويترز وأكدها يانغ. ولم ترد لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي لجنة قوية تقودها وزارة الخزانة والتي أيضاً تراجع المعاملات بحثاً عن تهديدات محتملة لأمن الولايات المتحدة، على طلب رويترز للتعليق على ما إذا كانت هذه الصفقة لنقل التكنولوجيا تتطلب موافقتها.
وقال النائب مايك جالاغر، وهو مشرع مؤثّر ضغطت لجنته المعنية بشأن الصين على إدارة بايدن لاتخاذ مواقف أكثر صرامة بشأن بكين، قال لرويترز إن قضية «زي جلو» تسلّط الضوء على «الحاجة الملحة لإصلاح لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة»، وقال في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني، «يجب ألّا تكون كيانات (جمهورية الصين الشعبية) قادرة على التصرف دون عقاب للاستفادة من الشركات الأميركية المتعثرة لنقل ملكيتها الفكرية إلى الصين».
قال يانغ من شركة «تشيبولر» إن محامي «زي جلو» تواصل مع كلٍ من «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة»، ووزارة التجارة لضمان أن البيع إلى بحر الشمال لن يخالف ضوابط التصدير. لم تشمل هذه المناقشات ذكر «تشيبولر» أو احتمال أن ينتهي الأمر بحيازة كيان صيني لبراءات الاختراع، وفقاً لمتحدث باسم «تشيبولر».
وتنشط شركة « هوواي»، عملاقة التكنولوجيا وتصميم الرقائق الصينية التي أدرجت على قائمة الأكثر تقييداً في الولايات المتحدة، في تقديم براءات اختراع لتكنولوجيا الرقائق الصغيرة.
نشرت «هوواي» أكثر من 900 طلب براءة اختراع ومنح ذات صلة بشرائح في العام الماضي في الصين، ارتفاعاً من 30 في 2017، وفقاً لمدير حلول التحليلات في «آنكوا»، شاين فيليبس. ورفضت «هوواي» التعليق على الأمر.
وتمكنت رويترز من التوصل إلى 12 إعلاناً على مدى العامين المنصرمين عن مصانع جديدة أو توسعات لمصانع قائمة من قِبل شركات تستخدم تقنية الشرائح الإلكترونية في التصنيع عبر قطاع التكنولوجيا في الصين، وهو ما يمثّل استثماراً يتجاوز 40 مليار يوان في المجمل.
قال يانغ رئيس شركة «تشيبولر»، «تقنية الرقائق الصغيرة هي القوة الدافعة الأساسية لتطوير صناعة أشباه الموصلات المحلية، ومن مهمتنا وواجبنا إعادتها إلى الصين».