أنفاق "حماس" خلقت ساحة معركة جديدة لا عهد للجيوش بها

صدى الحقيقة : متابعات

من الواضح أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى سنوات لجعل الأنفاق تحت الأرض في قطاع غزة غير صالحة للاستخدام، لكن لا أحد يعرف كم من الوقت لديه بالفعل، نظراً إلى الضغوط العسكرية والدولية المتزايدة التي ستضطره للانسحاب عاجلاً أم آجلاً، ويشكك بعض الخبراء في أن هذا ممكن.

تعد الحرب التي اندلعت بين "حماس" وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 فريدة من نوعها في تاريخ الحروب القديمة والحديثة، إذ إن إحدى ساحات القتال الرئيسة تقع تحت الأرض، وتمتد تحت مدن ومخيمات وبلدات قطاع غزة وتتجاوزها إلى أراضٍ مجاورة، بحسب الخبراء العسكريين الذين يعدون استمرار مقاومة الفلسطينيين لنحو عام كامل، على رغم الحصار الخانق المضروب عليهم منذ 17 عاماً في قطاع جغرافي ضيق ويفتقر إلى الموارد الضرورية، ضرباً من الأعجوبة ولغزاً صعباً من ألغاز هذه الحرب التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها في التاريخ.

وتشكل شبكة الاتصالات تحت الأرض إحدى العقبات الخطرة التي تعترض هجمات الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة. فالممرات التي حفرها الفلسطينيون لها أغراض مختلفة وتمثل مدينة صغيرة تحت الأرض، تفشل عمليات التطهير الدموية التي تقوم بها الوحدات الإسرائيلية، فالمسلحون الفلسطينيون يخرجون من الأنفاق لمفاجأة القوات الإسرائيلية بعمليات قنص وتفجير ومكامن محكمة، ثم ينسحبون إلى داخل الأنفاق. وحين تخرج الوحدات الإسرائيلية من منطقة تعتقد أنها قامت بتطهيرها في قطاع غزة، سرعان ما يخرج المقاتلون الفلسطينيون من مخابئهم لمعاودة السيطرة عليها.

وأوضح أندريه زيلتين كبير المحاضرين في كلية HSE للدراسات الشرقية أن الاتصالات تحت الأرضية في الجزء الجنوبي من القطاع على الحدود مع مصر كانت موجودة قبل عام 1967، عندما احتلت إسرائيل المنطقة. ثم، بحسب المتخصص نفسه، استخدمت لتهريب البضائع من مصر عبر قطاع غزة إلى إسرائيل. وكانت قنوات التهريب هذه ذات أهمية خاصة حتى عام 2005، أي حتى انسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي من القطاع. وأضاف، "لقد كانوا يحملون كل شيء من السجائر إلى الجوارب. لكن (حماس) بالطبع غيرت طبيعة ومهمة هذه الأنفاق إلى مستوى نوعي مختلف كثيراً، إذا حكمنا من خلال مقاطع الفيديو التي أصبحت متاحة في بعض الأحيان. هناك هياكل هندسية محصنة جيداً تسمح لساكنيها بالبقاء لفترة طويلة من دون الخروج إلى سطح الأرض".

"مترو" غزة

قامت حركة "حماس" ببناء شبكة جديدة من الأنفاق بصورة مكثفة منذ عام 2007. وهي بدأت البناء مباشرة بعد حرب أهلية قصيرة أطاحت فيها بحركة "فتح"، التي تحكم الضفة الغربية، من قطاع غزة، واستولت على السلطة. ومن المفترض أن تتكون الشبكة تحت الأرض من نحو 1300 نفق بأطوال إجمالية تراوح ما بين 400 و500 كيلومتر، بحسب تقديرات مختلفة، وللمقارنة يبلغ إجمالي طول أنفاق مترو موسكو الشهير 460 كيلومتراً.

وكان قادة "حماس" أنفسهم يتباهون بأن الطول الإجمالي للأنفاق تحت قطاع غزة يصل إلى 500 كيلومتر، وقال أحد مؤسسي "كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" يحيى السنوار، عام 2021، إن الطول الإجمالي للأنفاق يبلغ نحو 500 كيلومتر. على أية حال، هكذا نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" آنذاك كلمات السنوار الذي أصبح اليوم القائد العام للحركة. فإذا كان هذا صحيحاً، فإن طولها الإجمالي أكبر من طول أنفاق مترو موسكو.

وقد وردت مراراً وتكراراً في الصحافة الروسية مقارنات بين "مترو غزة" و"مترو موسكو" الذي استغرق بناؤه عقوداً طويلة، والذي يبلغ طوله الإجمالي 460.5 كيلومتراً. في الواقع، هذا هو بالضبط ما يطلق عليه الجيش الإسرائيلي عادة اسم "مترو غزة".

وتعد الشبكة الواسعة من الأنفاق والمخابئ في قطاع غزة أحد التحديات العسكرية الرئيسة للجيش الإسرائيلي الذي عجز بعد عام كامل من القتال الضاري عن تحقيق نصر واضح وجلي. وخلافاً للتوقعات، لم يتم حتى كتابة هذا التقرير سحق المقاومة المسلحة في القطاع، على رغم استخدام الجيش الإسرائيلي لأعتى وأحدث وأفتك الأسلحة الأميركية والغربية في هجومه على قطاع غزة المحاصر من كل الجهات.

الآن، بعد أكثر من 11 شهراً من الأعمال العدائية، فإن نظام الاتصالات الضخم تحت الأرض الذي أنشأه الفلسطينيون وحلفاؤهم يبقى هو الذي يؤمن "غرف" العمليات والقيادة والسيطرة لضباط "حماس" على عشرات الآلاف من مقاتليهم، والعقبة الرئيسة أمام استعادة الأسرى الإسرائيليين في القطاع المحاصر، وتحقيق النصر النهائي للجيش الإسرائيلي الذي يعد من أقوى الجيوش النظامية في المنطقة.

فكرة الأنفاق

الحاجة إلى بناء مثل هذا النظام المعقد تحت الأرض كان سببها الأكيد والواضح هو التفوق الواضح للجيش الإسرائيلي الذي يحتل المرتبة الـ18 في مؤشر القوة النارية العالمي. وللمقارنة: الجيش الألماني يحتل المركز الـ25 فحسب. في المجموع، يبلغ عدد قوات الدفاع الإسرائيلية نحو 170 ألف عسكري. و"حماس"، وفقاً للبيانات المنشورة قبل بدء الحرب في غزة، كان لديها ما بين 25 و50 ألف مقاتل. إضافة إلى ذلك، فإن الحركة الفلسطينية غير قادرة على الصمود في وجه الضربات الجوية الإسرائيلية.

بالمناسبة، استخدم الجيش الإسرائيلي في البداية الطائرات والقنابل الأميركية الخارقة للتحصينات لتدمير الأنفاق، القادرة على تدمير أضخم الهياكل. ومع ذلك، فإن مثل هذا الأسلوب يتطلب معلومات استخباراتية دقيقة ويخاطر بتعريض حياة الأسرى الإسرائيليين الذين من المحتمل أن يكونوا محتجزين داخل الأنفاق للخطر. إضافة إلى ذلك، يلعب الجانب المالي للقضية لمصلحة "حماس": على سبيل المثال، تبلغ كلفة كل قنبلة جوية من طراز BLU-109 أكثر من 20 ألف دولار.