فشل وثيقة "العهد والاتفاق" وإعلان صالح الحرب على الجنوب .. سبقت إعلان فك الارتباط

صدى الحقيقة : خاص
سبق إعلان فك الارتباط الذي أعلنه الرئيس الجنوبي علي سالم البيض في بيان هام من مدينة عدن أحداث مهمة منه فشل وثيقة "العهد والاتفاق" والذي مثلت الحل الوحيد للأزمة اليمنية حينها ثم إعلان صالح الحرب على الجنوب بخطاب ناري من ميدان السبعين .
وكان لفشل وثيقة "العهد والاتفاق" أسباب عديدة ومنها إنعدام الثقة بين الرئيس الشمالي صالح والرئيس الجنوبي البيض والتي كان لها أسباب عدة نذكر منها مايلي : 
الاحتكاكات المستمرة والاستفزازات المتبادلة بين حرس الرئيس الجنوبي علي سالم  البيض وحرس الرئيس الشمالي علي عبد الله صالح، كانت كافية لإقناع البيض باستحالة العمل مع صالح في مكان واحد.
 إلى جانب التجسس على منزل البيض وأخبار الاغتيالات والتهديدات التي ترده من الأصوليين والجهاديين، بل وصل الخطر إلى أولاده وأسرته على مقربة من عرينه في المنصورة في عدن، حيث تعرض أبناء البيض نايف وينوف وابن اخته كمال الحامد لمحاولة اغتيال في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1993 أدت إلى سقوط كمال بوابل من الرصاص، ذلك أن كمال يشبه ينوف البيض وكان يقود سيارته فاعتقد القتلة أنه ابن البيض. 
كشفت التحقيقات الجنوبية أن القتلة مأجورين، ولديهم ارتباط بزعيم التيار الأصولي في صنعاء عبدالمجيد الزنداني ، لكن الحكومة اليمنية نفت هذه التأكيدات وتحدثت عن إرهابيين متضررين من الحكم الماركسي السابق. 
وبعد أيام أطلق مجهولون النار على منزل علي سالم البيض نفسه، فكانت هذه القشة التي قصمت ظهر البعير، وقطعت كل أمل باستعادة الثقة مع الرئيس علي عبد الله صالح وبالعودة لإدارة الدولة بصورة طبيعية في صنعاء.
تزامن ذلك مع انهيار قاعدة العمل الجماعي التي اتفق عليها الطرفان، وهي عموما لم تطبق إلا في الشهور الوحدوية الأولى، ليبادر بعدها علي عبدالله صالح  إلى العمل بالطريقة التي تناسبه متخليارعن كافة الاتفاقات التي تمت معه ، لذا سافر البيض إلى الولايات المتحدة والتقى "أل غور" نائب الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، دون المرور بالسفارة اليمنية في واشنطن . 
أصرّ علي سالم البيض على البقاء في عدن حاضنته الطبيعية والامتناع عن العودة إلى صنعاء، رغم الوساطات والمحاولات المتكررة، وأهمها توقيع وثيقة "العهد والاتفاق" في العاصمة الأردنية عَمّان بإشراف الملك حسين، فكانت المحاولة الأخيرة لحل الأزمة اليمنية قبل اندلاع الحرب. 
اعتكاف البيض في عدن : 
راهن البيض من خلال الاعتكاف على إعادة النظر بصيغة الاتفاق الوحدوي، الذي بات معطلا بحكم الأمر الواقع، وظلت حركته اختبارية حتى توقيع وثيقة "العهد والاتفاق".
 وتفيد مواقفه خلال تلك الفترة أنه كان متأرجحا بين تثبيت شروط إدارة الدولة بطرق دستورية، وصولا إلى الفيدرالية وربما الكونفدرالية، وكان فك الارتباط ما زال غير مطروحا بعد من طرفه، وإن كان حزبه بغالبية أعضائه يريد العودة إلى ما قبل العام 1990.
نقل العاصمة إلى تعز أو جبلة : 
قبل الشهور القليلة التي سبقت الحرب، قطع علي سالم البيض كل الشكوك التي تحدثت عن نيته بالعودة إلى دولة الجنوب السابقة، إذ أكد في حديث صحفي "نحن الذين صنعنا الوحدة، لا يشرفنا أن يكون لنا موقف آخر" (الحياة اللندنية 30/ 10/ 1993).
 
حاول البيض التمسك بالوحدة الاندماجية، لكن بشروط جديدة أهمها نقل العاصمة من صنعاء إلى تعز ، وذلك للخروج من إرهاب سنحان (القبيلة التي ينتمي إليها الرئيس صالح) في صنعاء .
        
ويظهر هذا رغبة في تعديل جيوبولتيك الوحدة الاندماجية، ومن ثم ممارسة الحكم انطلاقا من المناطق الوسطى التي يتمتع فيها الحزب الاشتراكي بسلطة ونفوذ كبيرين، إذ يتحدر من هذه المناطق رئيس الجنوب السابق عبد الفتاح إسماعيل، والقسم الأكبر من كوادر التيار الشمالي في الحزب الاشتراكي، ومنها تتزود الدولة الشمالية بالقسم الأعظم من كوادرها، ناهيك عن أن تعز كانت عاصمة الإمام أحمد حميد الدين، ومن ثم ليست المرة الأولى التي تحتل فيها مثل هذا الموقع السياسي.
كما لا يخلو هذا من حسابات أخرى، من بينها الطابع الشافعي الواحد للجنوب وللمناطق الوسطى التي يُعبّر قسم مهم من سكانها عن تمردهم على السلطة المركزية في صنعاء. 
إن تغيير عاصمة الوحدة الاندماجية، يتيح للحزب الاشتراكي هامشا واسعا للمناورة ويمنحه حاضنة شعبية كان يفتقر إليها في صنعاء، ويمكنه في العاصمة الجديدة أن يعدل بعض الخلل الديموغرافي الواسع بين الشمال والجنوب.
ومن المعروف أيضا أن تعز لا تدين بالولاء المطلق للرئيس صالح، فهناك شرائح وقوى سياسية تتمنى طي صفحته، وقد يتسع نفوذ هذه القوى إن استندت إلى الحزب الاشتراكي، الذي صار شريكا في الدولة اليمنية.
الفيدرالية : 
كان الرئيس علي سالم البيض يميل إلى الحل الفدرالي، ومن ثم العدول  عن الوحدة الاندماجية؛ جراء ضغوط حزبية كان أصحابها يرغبون بالرجوع إلى حل الدولتين. ثمة إشارات عديدة تتحدث عن هذا الخيار الذي جرى التداول فيه بطريقة غير رسمية، ونجد تلميحا عليه من طرف الشيخ سنان أبو اللحوم، وهو الأقرب إلى البيض في ذلك الحين من الرئيس علي عبد الله صالح. 
يؤكد أبو لحوم  أنه تأكد من اقتناع البيض بالفيدرالية خلال زيارته إلى عدن رفقة مجاهد أبو شوارب، وأن حيدر أبو بكر العطاس وعبد الرحمن الجفري أوصلاه إلى هذا الخيار.
لكن مصادر مقربة من البيض نفت هذه التفاصيل، وأكدت أن الشيخين أبو لحوم  وأبو شوارب التقيا البيض في عدن، وعبّرا عن موقف حيادي في الصراع بين الطرفين، وأكدا له وقوفهما ضد من يبدأ الحرب، لكن أبو لحوم  اعتكف في القاهرة طيلة فترة الحرب ولم يناهض المعتدي. 
في السياق، يروي المصدر نفسه أن مجاميع قبلية من الشمال كانت تأتي إلى عدن، وتعلن تأييدها المطلق لعلي سالم البيض، وتحصل على أسلحة ودعم مالي، لكنها ما إن تصل إلى صنعاء حتى تغير موقفها، وتحصل على المال من الرئيس علي عبدالله صالح، ومن ثم تراقب الموقف لتصطف مع  الطرف الذي تميل الكفة لصالحه.
وثيقة "العهد والاتفاق" استندت إلى الحكم اللامركزي، ومن ثم ابتعدت عن الوحدة الاندماجية بصيغتها السابقة، التي أدت إلى أزمة الحكم في صنعاء من دون أن تصل إلى الفدرالية.
و نصت الاتفاقية على تغيير التنظيم الإداري لليمن عبر هرمية لا مركزية مؤلفة من 4 إلى 7 مخاليف (محافظات)، تتمتع بلا مركزية إدارية ومالية وأمنية، من دون المس  بحقوق السيادة الوطنية، أي لا تتمكن من عقد معاهدات خارجية أو صفقات وطنية، وإن كانت لديها وسائل أمنية محلية، فليس لها الحق في إنشاء جيش وطني. 
ونصت الاتفاقية على إنشاء مجلس شورى بالمناصفة بين الشمال والجنوب، وعلى انتخاب مجلس رئاسي للدولة من طرف مجلس النواب لدورتين حصريتين، على أن ينتخب المجلس الرئاسي رئيسه ونائبه.
كانت الوثيقة تشكل مخرجا مهما للحفاظ على الوحدة اليمنية، وتعطي الجنوب حقوقا أفضل من ذي قبل، وحظيت بإجماع الأطراف اليمنية الثلاثة: الاشتراكي والتيار الإسلامي والمؤتمر الشعبي العام. 
وقد وقعها حيدر أبو بكر العطاس (اشتراكي) وعبد الكريم الإرياني (مؤتمر) وعبد الوهاب الآنسي (إصلاح)، ومن ثم وقعها صالح والبيض بحضور ورعاية العاهل الأردني وحوالي 300 شخصية يمنية وعربية في عمان. 
لم يغير التوقيع على الوثيقة مسار الأزمة، لأنها جاءت متأخرة، ذلك أن أطرافا خارجية عديدة دخلت على خط الصراع، وأرادت أن يدفع الحكم ثمن تحالفه مع صدام حسين .
انهيار جسور الثقة بين صالح والبيض : 
عندما وقع علي سالم البيض وثيقة "العهد والاتفاق" في عمان، كان من المنتظر أن يعود إلى صنعاء. 
وكانت عودته شرطا لتطبيق الاتفاق، لكن جسور الثقة قد تحطمت بينه وبينه علي عبدالله صالح الذي أدرك في حينه أن البيض لن يرجع إلى العاصمة صنعاء .
لم تتوقف الحملات الإعلامية بين الطرفين، وساهم في تفاقمها استخدام صالح للمتشددين والأصوليين الاسلاميين " المجاهدين " ، الذي استخدمهم في عمليات الاغتيال والتي دفعت البيض للبقاء في عدن التي كانت على موعد مع الحرب وإعلان فك الارتباط والرجوع إلى دولة الجنوب السابقة.
إعلان الحرب : 
 بدأت الحرب اليمنية بعد إعلان رئيس اليمن الشمالي صالح من ميدان السبعين خطابا ناريا في 27 من ابريل 1994م عن بدء الحرب على ما وصفهم بالمرتدين .وحمل فيه بقوة على قادة الحزب الاشتراكي الأمر الذي أدى بعد ساعات قليلة إلى ارتكاب القوات الشمالية مجزرة بحق الجنود الجنوبيين في معسكر مدينة عمران الشمالية، حيث تتمركز قوات اللواء الثالث مدرع الجنوبي.
فبدأت الحرب باندلاع اشتباكات عنيفة بين اللواء الثالث المدرع الجنوبي، المتمركز في منطقة عمران، والفرقة الأولى المدرعة الشمالية، التي يقودها آنذاك العقيد على محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 200 جندي جنوبي و300 جريح و400 أسير. ثم شنت القوات الشمالية معززة بالقبائل والمجاهدين العرب وفتوى دينية بوجوب قتال الماركسيين ،معركة شرسة ضد لواء باصهيب الجنوبي المتمركز في مدينة ذمار. وتطورت الأحداث إلى قتال مرير بين الطرفين، استمر حتى 7 يوليو 1994.
إعلان الرئيس البيض فك الارتباط بالوحدة اليمنية : 
وألغت الحرب الشراكة الوحدوية بين الشمال والجنوب وحينها أعلن الرئيس الجنوبي علي سالم البيض فك ارتباط جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع الجمهورية العربية اليمنية في 21 مايو  1994 م.