في أسبوع العدالة الانتقالية.. لا سلام دون عدالة، ولا عدالة دون إنصاف قضية شعب الجنوب.

في الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات لإحلال السلام في اليمن، يأتي أسبوع العدالة الانتقالية ليعيد تسليط الضوء على واحدة من أكثر القضايا تعقيدا وحجرة تعثر أمام أي تسوية سياسية حقيقية، لا يمكن لأي عملية سلام أو عدالة انتقالية أن تنجح دون الاعتراف الصريح بعدالة قضية شعب الجنوب ومعالجتها، وتجاهلها هو محاولة لإعادة إنتاج الأزمات بدلاً من حلها.
فالوحدة التي روّج لها كمشروع وطني، تحولت بفعل الحرب على الجنوب في صيف 1994 إلى أداة للإقصاء والنهب والتهميش، وباتت ذريعة لفرض واقع سياسي وعسكري بقوة السلاح، لا بقوة التوافق أو القبول الشعبي.

العدالة الانتقالية لم تكن  عنوان لمرحلة ما بعد الصراعات بل هي مسار جوهري لمحو ماضي   ثقيل بالانتهاكات، وإنهاء الظلم، وإنصاف الضحايا، وبناء دولة قائمة على الحق والمساواة واحترام كرامة الإنسان.

فمنذ العام 1990، وتوقيع اتفاق الوحده ، وجد شعب الجنوب نفسه يتحول من شريك في مشروع سياسي إلى طرف مغلوب على أمره، يعاني من التهميش الممنهج والاستحواذ على موارده ومقدراته، ومن ثم، جاءت حرب 1994 لتؤكد هذا المسار، عندما تم اجتياح الجنوب عسكريًا، وفرض واقع سياسي بالقوة، ترتبت عليه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت.. الإقصاء السياسي والإداري، مصادرة الأراضي والثروات، تسريح آلاف الجنود والموظفين الجنوبيين من مؤسسات الدولة، وإهمال وتخريب القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل مصنع الغزل والنسيج في عدن الذي  كان يمثل ركيزة الاقتصاد في الجنوب ، بالإضافة إلى  الاعتقالات والقمع والانتهاكات الممنهجة بحق النشطاء السلميين.

وتواصلت هذه الانتهاكات لعقود، حتى انفجر الحراك السلمي الجنوبي في 2007، رافعا شعارات المطالبة بالحقوق والكرامة، وتدريجيًا بالمطالبة بحق تقرير المصير واستعادة الدولة.

لقد باتت رسالة شعب الجنوب اليوم، واضحة لا سلام دون عدالة، ولا عدالة دون إنصاف، وحق شعب الجنوب في استعادة دولته وهويته  حق أصيل و مكفول بموجب القوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، و الأساس الصلب لأي تسوية قادمة.

إن تجاهل هذه الحقيقة، أو القفز عليها بحلول ترقيعية، لن يفضي إلا إلى مزيد من التعقيد، وسيبقي الأزمات مفتوحة على كل الاحتمالات، أن الاعتراف الجاد بمظلومية شعب الجنوب، والعمل على معالجتها ضمن مسار شامل للعدالة الانتقالية، هو السبيل الوحيد لوضع حد لدورات الصراع، وبناء السلام الشامل والمستدام .